مشاهدات 106
زمن القراءة:3 دقائق

في خضم التحديات المتنامية التي تواجه اندماج المهاجرين واللاجئين في النسيج الاجتماعي والسياسي الأوروبي، تتعالى الأصوات المنادية بتأسيس أحزاب سياسية خاصة بهذه الفئات، بهدف تعزيز تمثيلهم وضمان إيصال مطالبهم. فهل يمثل هذا التوجه طوق نجاة لمجتمعات المهاجرين، أم أنه قد يقودها إلى شرنقة من العزلة السياسية؟

إيجابيات الأحزاب الخاصة بالمهاجرين

لا شك أن وجود أحزاب سياسية تركز على قضايا المهاجرين وتدافع عن مصالحهم يمكن أن يحقق مكاسب ملموسة لهذه الفئات. فمن خلال هذه الأحزاب، يستطيع المهاجرون طرح همومهم ومشاكلهم بشكل مباشر على طاولة النقاش السياسي، والضغط من أجل تبني سياسات أكثر عدالة وشمولية تراعي خصوصيتهم.

كما يمكن لهذه الأحزاب أن تلعب دورًا محوريًا في تحفيز المشاركة السياسية بين أبناء الجاليات المهاجرة، وتشجيعهم على المساهمة بفاعلية في صناعة القرار في مجتمعاتهم الجديدة.

مخاوف وتحديات

ومع ذلك، لا تخلو فكرة الأحزاب الخاصة بالمهاجرين من المخاطر والتحديات. فهناك مخاوف حقيقية من أن تؤدي هذه الأحزاب، رغم نواياها الحسنة، إلى تكريس العزلة السياسية للمهاجرين وإضعاف اندماجهم في المشهد الحزبي العام.

كما أن تنوع الخلفيات والانتماءات بين المهاجرين أنفسهم يجعل من الصعب على حزب واحد تمثيل جميع الأصوات والمصالح المتباينة داخل هذه المجتمعات بشكل عادل وشامل.

ولا يمكن تجاهل المخاوف المشروعة من احتمالية ارتباط بعض هذه الأحزاب بقوى أو تيارات سياسية خارجية، مما قد يفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية في الشأن السياسي الداخلي.

نظرة على بعض التجارب

لعل النظر في بعض التجارب العملية لأحزاب المهاجرين في أوروبا يلقي الضوء على التحديات والإمكانات التي ينطوي عليها هذا النهج:

  1. في السويد، أسس ميكائيل يوكسل (Mikail Yüksel) حزب نيانس (Partiet Nyans) عام 2019، وهو حزب يركز على قضايا المسلمين والمهاجرين ومكافحة الإسلاموفوبيا. في انتخابات 2022، حصل الحزب على 0.44% من الأصوات على المستوى الوطني، مما جعله أكبر حزب لم يتمكن من الحصول على مقاعد في البرلمان السويدي. ومع ذلك، حقق الحزب بعض النجاحات على المستوى المحلي، حيث فاز بمقاعد في مجالس بلديات مثل بوتكيركا (Botkyrka) ولاندسكرونا (Landskrona)، وحصل فيها على أكثر من 2% من الأصوات. رغم عدم تمكنه من دخول البرلمان الوطني، أظهر وجود الحزب وتأثيره في بعض المناطق المحلية تنامي قاعدة دعم بين المهاجرين والمسلمين. لكن الحزب واجه أيضًا انتقادات بشأن مواقفه المثيرة للجدل، واتُهم بتعزيز الاستقطاب بين المجتمعات المختلفة في السويد.
  2. في هولندا، أسس توناهان كوزو (Tunahan Kuzu) وسليمان يلديريم (Selçuk Yıldırım) حزب دنك (Denk) عام 2015 لتمثيل الأقليات والمهاجرين. حصل الحزب على 2.1% من الأصوات و3 مقاعد في انتخابات 2017، وحافظ على تمثيله في انتخابات 2021 و2023، رغم انخفاض نسبة التصويت قليلاً إلى حوالي 2%. واجه الحزب تحديات وانتقادات بشأن علاقته بتركيا، لكنه استمر في لعب دور مهم في تمثيل المهاجرين والدفاع عن التعددية الثقافية والمساواة ومكافحة التمييز. نجح الحزب في بناء قاعدة دعم قوية بين المهاجرين، خاصة في المدن الكبرى مثل أمستردام (Amsterdam) وروتردام (Rotterdam).
  3. أما في ألمانيا، فقد ظهر مؤخرًا التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والاستيقاظ (Demokratische Allianz für Vielfalt und Aufbruch) أو ما يُعرف اختصارًا بـ “دافا” (DAVA). هذا الحزب الناشئ، الذي يسعى لتمثيل الأقليات المسلمة في ألمانيا، يواجه شكوكًا حول ارتباطه المحتمل بحزب العدالة والتنمية التركي (Adalet ve Kalkınma Partisi) والرئيس رجب طيب أردوغان (Recep Tayyip Erdoğan).

هذه الأمثلة تلقي الضوء على التجارب المختلفة لأحزاب المهاجرين في أوروبا، وتظهر بعض النجاحات التي حققتها في تمثيل الأقليات والدفاع عن قضاياهم. كما تبرز التحديات التي تواجهها، سواء من حيث القبول المجتمعي، أو الاتهامات بالارتباط بجهات خارجية، أو صعوبة الحفاظ على الاستقلالية السياسية. تبقى مسيرة هذه الأحزاب رهنًا بقدرتها على تجاوز هذه العقبات وتحقيق تأثير إيجابي في الحياة السياسية لبلدانها.

في الختام

تبقى مسألة جدوى تأسيس أحزاب خاصة بالمهاجرين في أوروبا موضع نقاش وتساؤل. فبينما يرى البعض فيها فرصة ذهبية لتمكين هذه الفئات وتعزيز حضورها السياسي، يخشى آخرون من أن تكون سببًا في تقوقعها وانعزالها عن التيار السياسي السائد.

فهل الأجدى للمهاجرين أن يؤسسوا كياناتهم الحزبية المستقلة، أم أن ينخرطوا في الأحزاب القائمة ويناضلوا من داخلها لتبني قضاياهم؟ سؤال يبقى مفتوحًا، والإجابة عنه رهن بخصوصية كل تجربة وسياقها.

في كل الأحوال، تبقى المشاركة السياسية الفاعلة والاندماج الإيجابي في مجتمعات الاستقبال هي الغاية المنشودة، سواء عبر أحزاب المهاجرين أو غيرها من القنوات. والمهم في نهاية المطاف هو أن يكون للمهاجرين صوت مسموع وتأثير ملموس في رسم السياسات التي تمس حياتهم ومصائرهم.