شهدت الساحة السياسية الألمانية مؤخرًا ظهور حزب جديد يحمل اسم “التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والتنمية” (Demokratische Allianz für Vielfalt und Aufbruch) والمعروف اختصارًا باسم “دافا” (DAVA). تأسس الحزب في يناير 2024 على يد مجموعة من الألمان ذوي الأصول التركية بهدف تمثيل الجالية التركية والمسلمة في ألمانيا، والتي يبلغ عددها بحدود 2.8 مليون نسمة.
مؤسسا الحزب
يقف وراء تأسيس حزب “دافا” شخصيتان رئيسيتان هما تيفيك أوزجان (Tevik Özcan) وفاتح زينغال (Fatih Zingal). أوزجان هو صحفي وكاتب ألماني من أصل تركي، اشتهر بكتاباته حول قضايا الهجرة والاندماج. عمل لسنوات مراسلًا لوسائل إعلام تركية مختلفة. أما زينغال فهو محامٍ وسياسي كان عضوًا سابقًا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD) لأكثر من 30 عامًا قبل أن يستقيل منه للمشاركة في تأسيس حزب “دافا”.
جدل حول توجهات الحزب
منذ الإعلان عن تأسيسه، أثار حزب “دافا” جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الألمانية. تتهم أصوات عديدة الحزب بأنه واجهة لمصالح خارجية وتربطه بجهات سياسية في تركيا. ويرى البعض أن الحزب هو بمثابة النسخة التركية من حزب “البديل من أجل ألمانيا” (Alternative für Deutschland) اليميني الشعبوي المتطرف والمعروف اختصارًا بـ(AfD) والمعادي للمهاجرين والإسلام.
تُغذّي هذه الشكوك خلفيات بعض قيادات الحزب الجديد. فرئيسه أوزجان عمل سابقًا في وسائل إعلام حكومية تركية، فيما كان المرشح الرئيسي زينغال متحدثًا باسم اتحاد تركي مقرب من الحزب الحاكم في تركيا. كما عمل مرشحان بارزان آخران لدى منظمات إسلامية لها علاقات وثيقة مع الهيئة الدينية الرسمية التركية.
الرد على الاتهامات
ينفي حزب “دافا” بشدة هذه الاتهامات ويؤكد أنه حزب ألماني مستقل يركز فقط على قضايا المهاجرين والمسلمين داخل ألمانيا. يقول مسؤولوه إن انتماءاتهم أو أنشطتهم السابقة لا تعني شيئًا وإنهم يؤيدون الديمقراطية والتعددية ويعارضون التطرف أيًّا كان شكله.
يشير الحزب إلى أن غالبية الناخبين الأتراك في ألمانيا تؤيد التوجهات السياسية الحالية في تركيا، لكن هذا لا يعني أنه امتداد لها. كما يرفض أي تشابه مع حزب “البديل” اليميني، مؤكدًا أنه لا توجد لديه أي تصريحات أو مواقف ترفض الآخر أو تنتقص من حقوق الأقليات، بل إن برنامجه يركز على محاربة العنصرية ومعاداة الإسلام (الإسلاموفوبيا).
أهداف وبرنامج الحزب
يرى حزب “دافا” أن هناك فراغًا سياسيًّا كبيرًا يعاني منه المهاجرون والمسلمون في ألمانيا لا تملؤه الأحزاب الموجودة. ويقول إنه يهدف إلى تحقيق تمثيل حقيقي لهذه الشريحة وتعبئة أصواتها للدفاع عن مصالحها.
يتضمن برنامج الحزب العديد من النقاط الرئيسية أهمها:
- تعزيز المشاركة السياسية المتساوية للجميع بغض النظر عن الأصل.
- حماية القيم الأسرية وتوفير الدعم للحوامل والأسر.
- ضمان حقوق المرأة والمساواة في العمل ومكافحة العنف ضدها.
- توفير بيئة آمنة وصحية للأطفال وتعزيز تعليمهم ودعم الأطفال اللاجئين والمعاقين.
- تحسين الوضع الصحي ومعالجة نقص الأطباء وخفض تكاليف العلاج.
- دعم الاقتصاد والشركات الصغيرة وتقليل البيروقراطية.
- مكافحة التمييز والعنصرية بتشديد القوانين وبرامج التوعية.
- تعزيز حقوق الإنسان والتنمية المستدامة في السياسة الخارجية.
- تعزيز الدفاع الوطني والتعاون الدولي ونزع السلاح.
- دعم الطاقة المتجددة وحماية البيئة والكفاءة الطاقوية.
استحقاق انتخابي قريب
خلال 3 أسابيع ستُجرى انتخابات البرلمان الأوروبي (Europawahl)، وهي أول اختبار حقيقي لحزب “دافا” الذي يشارك فيها بمجموعة من المرشحين في محاولة للحصول على تمثيل هناك.
يعتقد الحزب أنه يمكنه الحصول على مقعد واحد على الأقل من أصل 96 مقعدًا مخصصةً لألمانيا، لكن ذلك يتطلب حشد أصوات الناخبين الأتراك إضافة إلى ناخبين جدد خارج هذه الشريحة، وهو ما قد يكون صعبًا نظرًا لحداثة الحزب والشكوك المثارة حوله.
يمثل ظهور حزب “دافا” تطورًا جديدًا ومثيرًا للاهتمام في السياسة الألمانية. فهو يحاول تقديم نفسه كصوت للمهاجرين والمسلمين المهمشين، ويطرح برنامجًا مليئًا بالقضايا التي تهم هذه الشريحة. لكن الشكوك المثارة حول ارتباطاته الخارجية والاتهامات الموجهة له تمثل تحديًا كبيرًا أمام نجاحه وتأثيره.
سيكون من المهم متابعة كيف سيتصرف الحزب في الأسابيع القادمة وخلال الانتخابات الأوروبية. هل سيستطيع تبديد المخاوف وكسب ثقة الناخبين؟ هل سيثبت استقلاليته بالفعل أم ستتأكد الهواجس؟ هل ستحمل أجندته تغييرًا إيجابيًّا أم ستفاقم الاستقطاب؟ أسئلة أساسية في ظل مشهد سياسي متوتر.