فقد التجمع الوطني (Rassemblement National) الفرنسي صبره نهائيًا مع حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، وقرر إنهاء تعاونه معه. لكن هذه الخطوة لم تفاجئ المحللين السياسيين، الذين يرون أن القوميين اليمينيين الفرنسيين لديهم دوافع استراتيجية خاصة وراء هذا القرار، تتجاوز مجرد رفضهم لمعاداة السامية.
تحليل بقلم جوليا بوروتا (Julia Borutta)، ARD باريس
تقرير مترجم عن Tagesschau
Warum Le Pens Partei mit der AfD bricht
تجاوز الخطوط الحمراء
من وجهة نظر التجمع الوطني، كانت التصريحات الأخيرة للمرشح الأول لحزب البديل من أجل ألمانيا، ماكسيميليان كراه (Maximilian Krah)، والتي قلل فيها من جرائم قوات الأمن الخاصة النازية المعروفة بـ”الأس أس” (SS: Schutzstaffel)، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. ولذا قرر الحزب اليميني المتطرف الفرنسي قطع العلاقات مع حزب البديل. فقد صرح رئيس التجمع الوطني والمرشح الأول جوردان بارديلا (Jordan Bardella) لقناة LCI التلفزيونية: “لقد تجاوز حزب البديل من أجل ألمانيا الخطوط الحمراء. سنجد حلفاء جدد بعد انتخابات البرلمان الأوروبي ولن نجلس مع حزب البديل في نفس المجموعة”.
سعي التجمع الوطني لتلميع صورته
يدرك التجمع الوطني أن صورة الحزب على المحك. فلسنوات، عملت زعيمة الحزب والمرشحة الرئاسية لثلاث مرات، مارين لوبان (Marine Le Pen)، على تحسين صورة الحزب وإبعاد السمعة السيئة عنه. على سبيل المثال، فقد استبعدت والدها، جان ماري لوبان (Jean-Marie Le Pen)، من الحزب السابق الجبهة الوطنية (Front National) بعد وصفه غرف الغاز النازية بأنها “تفصيل في التاريخ”. كما قامت بتهميش شخصيات حزبية متطرفة أخرى. هذه الاستراتيجية كانت ناجحة للغاية، حيث يتصدر المرشح الأول للتجمع الوطني، بارديلا، استطلاعات الرأي لانتخابات البرلمان الأوروبي بنسبة حوالي 32%، متقدمًا على جميع الأحزاب الأخرى.
تصريحات حزب البديل لا تتناسب مع صورة التجمع الجديدة
في هذا السياق، لا تتناسب تصريحات وسلوكيات حزب البديل من أجل ألمانيا، الشريك الأوروبي في المجموعة البرلمانية، مع الصورة التي يحاول التجمع الوطني تقديمها، كما يوضح عالم السياسة أوليفييه روكان (Olivier Rouquan). يقول: “ما يفعله التجمع الوطني هو انتهازية. فإبعاد حزب البديل من أجل ألمانيا عنه يمكنه أن يحقق نقاطاً أكثر “. ينجح هذا بشكل خاص في جذب شرائح الناخبين المستهدفة: المحافظين التقليديين، والمتعلمين إضافة للمتقاعدين. “يريد التجمع الوطني استقطاب أولئك الناخبين الذين لن يصوتوا أبدًا لشخص يقلل من أهمية أحلك فصول التاريخ الأوروبي”.
سلسلة من الشجارات أزعجت التجمع الوطني
لم يكن الانفصال بين التجمع الوطني وحزب البديل من أجل ألمانيا وليد اللحظة، بل كان قيد الإعداد منذ فترة. الاتهامات الموجهة لحزب البديل بشأن التجسس، إدانة السياسي البارز في حزب البديل بيورن هوكه (Björn Höcke) بسبب شعارات نازية، الموقف المؤيد لروسيا في حزب البديل – كل هذا أصبح مزعجًا بشكل متزايد للتجمع الوطني، خاصة بعد أن سدد الحزب آخر القروض الروسية واتخذ مسارًا أكثر انتقادًا لروسيا. أبقت لوبان مسافة مع الشريك الألماني بعد أن كشفت منصة Correctiv الإعلامية عن اجتماع اليمين المتطرف في بوتسدام (Potsdam).
التجمع الوطني لا يزال يمينيًا متطرفًا رغم محاولات التجميل
رفضت لوبان بشدة فكرة “الهجرة العكسية” المطروحة في الاجتماع والتي تدعو للعودة القسرية للمواطنين غير المندمجين، قائلة: “نحن نقف في تناقض صارخ مع حزب البديل من أجل ألمانيا في هذا الصدد. سنناقش ما إذا كانت خلافاتنا ستمنعنا من العمل معًا في مجموعة برلمانية”. ورغم عدم استخدام التجمع الوطني لمصطلح “الهجرة العكسية” في برنامجه الانتخابي الحالي، إلا أنه لا يزال يتبنى مواقف يمينية متطرفة مثل الإعانات الاجتماعية للعائلات الفرنسية فقط أو مصادرة قوارب الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية في المتوسط.
التعاون مع اليمين المتطرف لا يزعج لوبان
لا تمانع مارين لوبان في إيجاد شركاء جدد في المجموعة البرلمانية. يذكر عالم السياسة روكان بمشاركتها في أحدث اجتماع دولي لليمين المتطرف في مدريد حيث التقى التجمع الوطني بأحزاب متطرفة مثل فوكس (Vox) الإسبانية التي يتحدث أعضاؤها بنبرة فاشية علنية. وبالتالي يستغل التجمع الوطني أخطاء حزب البديل من أجل ألمانيا ليلقى قبولاً أكبر لدى شرائح اجتماعية متنوعة، بينما يظل تركيز لوبان على هدفها الرئيسي: انتخابات الرئاسة الفرنسية 2027.