مشاهدات 221
زمن القراءة:6 دقائق

ظهر على الساحة السياسية الألمانية مؤخرًا حزب جديد يحمل اسم “تحالف سارة فاجنكنشت – من أجل العقل والعدالة” (Bündnis Sahra Wagenknecht – Für Vernunft und Gerechtigkeit) والمعروف اختصارًا باسم BSW. تأسس الحزب في 8 يناير 2024 على يد سارة فاجنكنشت (Sahra Wagenknecht)، السياسية المعروفة والتي كانت عضوًا بارزًا في حزب اليسار الألماني (Die Linke). يسعى الحزب إلى تقديم مزيج من السياسات الاقتصادية ذات التوجه اليساري والسياسات الاجتماعية المحافظة والمواقف الخارجية المؤيدة لروسيا.

البرنامج السياسي للحزب

يتبنى BSW برنامجًا سياسيًا يركز على العدالة الاجتماعية والاقتصادية، حيث يدعو إلى دعم الأمن الوظيفي وزيادة الأجور وتقديم فوائد اجتماعية سخية وإعادة هيكلة نظام الضرائب ليصبح أكثر عدلًا، بالإضافة إلى زيادة المعاشات التقاعدية. كما يعارض الحزب زيادة الإنفاق العسكري وبيع الأسلحة لدول مثل السعودية، ويرفض تسليح أوكرانيا ضد روسيا.

على الصعيد الخارجي، يتبنى BSW مواقف مؤيدة لروسيا، حيث يعارض العقوبات المفروضة عليها وينتقد توسع حلف شمال الأطلسي (NATO) والاتحاد الأوروبي. كما يدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية بدلًا من التدخل العسكري ومنح اللجوء، ويطالب بزيادة استقلالية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

يتخذ BSW موقفًا متشددًا تجاه الهجرة، حيث يدعو إلى تقييد سياسات الهجرة واللجوء ويعتبر النظام الحالي فاشلًا. بالإضافة إلى ذلك، يعارض الحزب التخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي وينتقد بشدة سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن تغير المناخ، مع تفضيل استخدام الوقود الأحفوري واستيراد النفط والغاز من روسيا.

يسعى BSW إلى جذب الناخبين من مختلف التيارات السياسية، بما في ذلك الناخبين التقليديين لليمين واليسار، بالإضافة إلى الدخول في منافسة مع حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في المناطق التي يحظى فيها بدعم قوي مثل براندنبورغ (Brandenburg) وساكسونيا (Sachsen) وتورينغن (Thüringen).

الفروق بين BSW وحزب اليسار

على الرغم من الخلفية اليسارية المشتركة بين BSW وحزب اليسار، فإن هناك فروقًا واضحة بينهما، خاصة فيما يتعلق بالمواقف الخارجية. بينما يتبنى BSW مواقف مؤيدة لروسيا بشكل صريح، فإن حزب اليسار ينتقد الناتو لكنه لا يؤيد روسيا بنفس الدرجة.

هناك أيضًا اختلافات في السياسات البيئية، حيث يعارض BSW التخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بالاحتراق الداخلي ويدعو لاستيراد النفط والغاز من روسيا، بينما يدعم حزب اليسار سياسات بيئية أكثر صرامة تتماشى مع توجهات الاتحاد الأوروبي.

في قضايا الهجرة، يتبنى BSW موقفًا أكثر تشددًا ويدعو إلى تقييد سياسات الهجرة واللجوء، في حين يتبنى حزب اليسار نهجًا أكثر انفتاحًا ودعمًا لحقوق المهاجرين واللاجئين.

يعرض BSW نفسه كحزب شعبوي يحاول استقطاب الناخبين من مختلف التيارات، بما في ذلك الناخبين اليمينيين المحبطين من الأحزاب التقليدية. على النقيض، يركز حزب اليسار بشكل أكبر على الناخبين التقليديين لليسار.

موقف BSW من الصراع في سوريا

يتبنى BSW موقفًا ناقدًا للتدخلات العسكرية الأجنبية في الصراع السوري، حيث يرفض التدخلات العسكرية ويركز على الحلول الدبلوماسية والسياسية. تعتقد سارة فاجنكنشت، زعيمة الحزب، أن التدخلات العسكرية في سوريا لم تحقق السلام بل أدت لمزيد من الدمار والمعاناة للشعب السوري. بدلًا من ذلك، يفضل الحزب دعم المبادرات الإنسانية وتقديم المساعدات للمدنيين المتضررين من الصراع، وذلك في إطار سياسة الحزب العامة التي تعارض التدخلات العسكرية الأجنبية وتدعو إلى سياسات خارجية تركز على السلام والتعاون الدولي.

موقف BSW من الحرب في غزة

يتبنى BSW موقفًا ناقدًا للغاية للأحداث الجارية في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث وصفت سارة فاجنكنشت غزة بأنها “سجن مفتوح” وانتقدت بشدة السياسات الإسرائيلية، معتبرة إياها حربًا بلا رحمة وعمليات إعدام بدم بارد ضد المدنيين الفلسطينيين. هذا الموقف يتماشى مع رؤية الحزب التي تنتقد بشدة الأعمال العسكرية الإسرائيلية وتدعو إلى حل سلمي للنزاع.

يختلف هذا الموقف عن موقف الحكومة الألمانية برئاسة المستشار أولاف شولتس، التي ترفض الدعوات لوقف إطلاق النار الطويل الأمد وتؤكد على ضرورة حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية دون توقف الهجمات على حماس التي تعتبرها منظمة إرهابية. بهذا، يبدو BSW كصوت معارض للحكومة الألمانية في تعاملها مع الأزمة في غزة، مطالبًا بمواقف أكثر دعمًا للحقوق الفلسطينية وانتقادًا للسياسات العسكرية الإسرائيلية.

موقف BSW من الإسلام والأديان

لم يحدد BSW موقفًا واضحًا من الإسلام أو الأديان الأخرى في برنامجه السياسي حتى الآن، لكن يبدو أنه يتبنى موقفًا علمانيًا يدعم حرية الاعتقاد والتعددية الدينية. يشدد الحزب على أهمية التعايش السلمي بين الأديان والطوائف في ألمانيا، ويرفض المواقف المتطرفة سواء كانت دينية أو سياسية.

فيما يتعلق بالإسلام تحديدًا، لا يبدو أن BSW لديه موقف تمييزي ضد المسلمين، بل يؤكد على حقوق الإنسان وحرية المعتقد في إطار علماني يضمن الحقوق المتساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن دينهم. كما يدعم الحزب فصل الدين عن الدولة مع احترام جميع الأديان والحفاظ على القوانين المدنية فوق الاعتبارات الدينية في الشؤون العامة والسياسية.

مقارنة بين BSW وحزب البديل من أجل ألمانيا

على الرغم من الخلفيات الأيديولوجية المختلفة بين BSW وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، فإن هناك بعض أوجه التشابه بينهما، خاصةً فيما يتعلق بالموقف من الهجرة والسياسات الخارجية.

يتبنى الحزبان موقفًا متشددًا من الهجرة واللجوء، حيث يدعوان إلى تقييد تدفق المهاجرين وينتقدان السياسات الحالية باعتبارها غير فعالة. كما ينتقد كلا الحزبين الاتحاد الأوروبي ويطالبان بإعادة المزيد من السلطات للدول الأعضاء.

فيما يتعلق بالموقف من روسيا، يظهر الحزبان مواقف متسامحة، حيث يعارضان العقوبات المفروضة على روسيا ويدعوان إلى الحوار والتفاوض لحل النزاعات، مع تفضيل الحلول الدبلوماسية على الخيارات العسكرية.

لكن الأسس الأيديولوجية للحزبين تختلف بشكل كبير. ينطلق BSW من خلفية يسارية مع بعض المواقف المحافظة اجتماعيًا، بينما يعتبر AfD حزبًا يمينيًا قوميًا يركز على الهوية الوطنية والقيم التقليدية. كما يتبنى BSW سياسات اجتماعية تقدمية فيما يتعلق بالعدالة الاقتصادية والمساواة، بينما يتبنى AfD مواقف محافظة اجتماعيًا ويعارض التغييرات الليبرالية في المجتمع.

التناقض في مواقف الحزب

يواجه حزب BSW انتقادات بسبب وجود تناقضات في مواقفه المبنية على الأيديولوجيا. فبينما يعارض الحزب بشدة التدخلات العسكرية الغربية ويدعو إلى حلول دبلوماسية، فإنه يبدو متسامحًا مع التدخلات العسكرية الروسية، خاصةً في النزاع الأوكراني. حيث يرفض الحزب توريد الأسلحة لأوكرانيا ويدعو إلى رفع العقوبات عن روسيا، مما يُنظر إليه على أنه تبرير ضمني للسياسات الروسية.

علاوة على ذلك، يُنتقد الحزب لكونه يركز على انتقاد الأنظمة الاستبدادية المدعومة من الولايات المتحدة، بينما يتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية أو اليسارية المتحالفة مع روسيا. هذا التناقض يثير تساؤلات حول مدى اتساق مبادئ الحزب ومواقفه، ويعرضه لانتقادات من كلا الطرفين، اليمين واليسار، حول انتقائية تطبيق المعايير الأخلاقية والسياسية في السياسة الخارجية.

خاتمة

يمثل حزب “تحالف سارة فاجنكنشت – من أجل العقل والعدالة” BSW إضافة مثيرة للاهتمام إلى المشهد السياسي الألماني، حيث يجمع بين السياسات الاقتصادية اليسارية والمواقف الاجتماعية المحافظة والسياسات الخارجية المؤيدة لروسيا. يهدف الحزب إلى جذب الناخبين المحبطين من الأحزاب التقليدية ويسعى لمنافسة حزب البديل من أجل ألمانيا AfD في بعض المناطق.

ومع ذلك، فإن التناقضات الظاهرة في مواقف الحزب، خاصةً فيما يتعلق بالتدخلات العسكرية والأنظمة الاستبدادية، تثير تساؤلات حول اتساق مبادئه وتعرضه لانتقادات من مختلف الأطياف السياسية. هذه التناقضات قد تؤثر على مصداقية الحزب وقدرته على استقطاب دعم واسع من الناخبين.

تبقى الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن مدى نجاح هذا المزيج الأيديولوجي الفريد في استقطاب الدعم الشعبي وتحقيق التأثير المنشود في السياسة الألمانية. كما سيكون من المهم مراقبة كيفية تعامل الحزب مع الانتقادات الموجهة له بشأن التناقضات في مواقفه، وما إذا كان سيعمل على تبديد هذه المخاوف أم ستستمر في التأثير على صورته وشعبيته.

بغض النظر عن مستقبل BSW، فإن ظهوره يعكس حالة عدم الرضا لدى شريحة من الناخبين الألمان وتطلعهم إلى خيارات سياسية بديلة. كما أنه يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الأحزاب التقليدية في الحفاظ على قاعدتها الشعبية في مواجهة تنامي الشعبوية وتزايد الاستقطاب السياسي في ألمانيا وأوروبا بشكل عام.

في النهاية، سيكون على الناخب الألماني أن يقرر ما إذا كان حزب “تحالف سارة فاجنكنشت” يمثل ثورة يسارية حقيقية تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، أم أنه مجرد ذئب شعبوي يتخفى في ثوب حمل، يسعى لاستغلال مخاوف الناس وإحباطاتهم لتحقيق مكاسب سياسية. الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال، ولكن من المؤكد أن ظهور هذا الحزب سيثري النقاش السياسي في ألمانيا ويدفع الأحزاب الأخرى إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها وسياساتها لمواكبة التغيرات في المزاج الشعبي والتحديات الجديدة التي تواجه البلاد.