في العدد الرابع والعشرين من مجلة “دير شبيغل” (Der Spiegel) الصادر بتاريخ 29 مايو 2024، نُشر مقال شيق بعنوان “السيدة عند لوحة الرسم” (Herrin am Reißbrett) للكاتبين راسموس بوخستاينر (Rasmus Buchsteiner) وماركوس فيلدنكيرشن (Markus Feldenkirchen). يسلط هذا المقال الضوء على تأسيس وتنظيم الحزب الجديد “تحالف سارة فاغنكنخت – الحكمة والعدالة” (Bündnis Sahra Wagenknecht – Vernunft und Gerechtigkeit) بقيادة السياسية البارزة سارة فاغنكنخت (Sahra Wagenknecht). يأخذنا المقال في رحلة شيقة عبر الكواليس، كاشفًا عن التحديات والعمليات الداخلية التي تشكل هذا الحزب الناشئ.
1. التأسيس والخطوات الأولى
انطلق حزب “تحالف سارة فاغنكنخت – الحكمة والعدالة” كاستجابة لإحباط فاغنكنخت من المشهد السياسي الألماني، لا سيما من حزبها السابق “دي لينكه” (Die Linke). عُقد المؤتمر التأسيسي للحزب في يناير 2024، وتميز بجدول زمني مكثف للغاية في يوم واحد بهدف ترشيد التكاليف. أكدت فاغنكنخت على أهمية الانضباط والسيطرة خلال هذه العملية، لتجنب المساهمات العشوائية التي قد تضر بالحزب. هذا النهج الحازم يعكس أسلوب قيادتها الفريد ورؤيتها لحركة سياسية منظمة وفعالة.
2. هيكل العضوية وعمليات الاختيار
يضم الحزب حاليًا حوالي 650 عضوًا فقط، تم اختيارهم بعناية لتجنب تسلل الأشخاص المتطرفين أو غير الموثوق بهم. على الرغم من الانتقادات الموجهة لاستراتيجية النمو البطيء هذه، إلا أنها قد تكون مفتاحًا لتحقيق الاستقرار والاتساق داخل الحزب. ومن الأمثلة البارزة على هذه السيطرة الصارمة رفض طلب العضوية المقدم من تيمو باكوفين (Timo Backofen) بسبب ارتباطه بحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD). يجري الحزب فحوصات شاملة للخلفيات، بما في ذلك البحث عبر الإنترنت والتقييمات الشخصية، لضمان عدم قبول أشخاص قد يثيرون المشاكل.
3. التنظيم والإدارة
يقع المقر الرئيسي للحزب في مساحة عمل مشتركة متواضعة في وسط برلين (Berlin-Mitte). تتولى ليندا ريهمر (Linda Rehmer) مسؤولية الإدارة والتنظيم، مستخدمةً مواردها الخاصة مثل الكمبيوتر المحمول والطابعة. أما بناء الحزب فيقع على عاتق شيرفين هاغشينو (Shervin Haghsheno)، وهو مهندس بناء ومحترف في مجال التنظيم، الذي ينظر إلى الحزب كمشروع ضخم. يعتمد هاغشينو على التخطيط الدقيق والمنظم لضمان استدامة الحزب وفعاليته، مما يعكس عقليته الريادية والموجهة نحو المشاريع.
4. الدعم المالي والتبرعات
يلعب رالف سوكات (Ralph Suikat)، المليونير وأمين صندوق الحزب، دورًا محوريًا في تمويل الحزب. يتولى مسؤولية جمع التبرعات وإدارة الموارد المالية، مع التأكيد على أهمية مصادر التمويل النظيفة والشفافة. يقوم سوكات بإجراء فحوصات دقيقة لضمان عدم تلقي الحزب لأموال مشبوهة. ساهم تبرع سخي بأكثر من خمسة ملايين يورو من توماس ستانغر (Thomas Stanger) ولوتي سالينغري (Lotte Salingré) في وضع الأساس المالي للحزب وتمكينه من بناء الهياكل التنظيمية الأساسية.
5. التوجه السياسي والبرنامج
لا يزال الحزب يفتقر إلى أرضية موضوعية صلبة، ويتم تعويض ذلك جزئيًا من خلال الدور المهيمن لفاغنكنخت وزوجها أوسكار لافونتين (Oskar Lafontaine). غالبًا ما يتم تحديد أولويات برامج الحزب بشكل عفوي، وفقًا لما يراه الزوجان مهمًا. قد تُعتبر هذه المرونة نقطة قوة، حيث تسمح للحزب بالاستجابة بسرعة للتطورات السياسية الحالية. بينما ينتقد البعض الحزب لاعتماده على التبسيط الشعبوي، يأمل المؤيدون أن يجذب الناخبين غير الراضين عن حزب “البديل من أجل ألمانيا”.
6. الحملة الانتخابية والتحديات المستقبلية
تعد الانتخابات القادمة، لا سيما انتخابات البرلمان الأوروبي والانتخابات المحلية في ولايات ساكسونيا (Sachsen) وتورينغن (Thüringen) وبراندنبورغ (Brandenburg)، اختبارات حاسمة لحزب “تحالف سارة فاغنكنخت – الحكمة والعدالة”. يتعين على فاغنكنخت وزملائها إثبات أن حزبهم أكثر من مجرد مشروع شخصي. يجب على القيادة ضمان استيفاء مرشحيها للمعايير العالية وإقناع الناخبين ببرامجهم الانتخابية. ستكشف تحديات الحملة وبناء هيكل حزبي مستدام عما إذا كان الحزب قادرًا على الصمود على المدى الطويل.
الخلاصة
يمثل حزب “تحالف سارة فاغنكنخت – الحكمة والعدالة” مشروعًا سياسيًا غير تقليدي ومحفوفًا بالمخاطر، يعتمد بشكل كبير على شخصية فاغنكنخت وقدراتها. قد تساعد سيطرتها الصارمة والتركيز على الانضباط والهيكل في تجاوز التحديات الأولية التي تواجه الحركات السياسية الناشئة. ستكشف الأشهر والسنوات المقبلة عما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستؤتي ثمارها، وما إذا كان الحزب قادرًا على أن يصبح قوة دائمة ومؤثرة في المشهد السياسي الألماني. يواجه الحزب تحدي الحفاظ على استقراره الداخلي مع جذب قاعدة انتخابية واسعة، دون فقدان السيطرة على أعضائه وهياكله.