مشاهدات 90
زمن القراءة:3 دقائق

في مقال نُشر في العدد ٢٣ من مجلة “دير شبيغل” (Der Spiegel) الألمانية لعام ٢٠٢٤، سلط الكاتب ماركوس بيكر (Markus Becker) الضوء على شخصية أورسولا فون دير لاين (Ursula von der Leyen)، رئيسة المفوضية الأوروبية (EU-Kommissionspräsidentin)، وأسلوبها الفريد في قيادة هذه المؤسسة الهامة. يأخذنا المقال في رحلة عبر مسيرتها المهنية الحافلة بالتحديات والإنجازات، ويسلط الضوء على طريقتها المميزة في التعامل مع القضايا الشائكة والمواقف الصعبة التي واجهتها خلال فترة ولايتها الأولى. كما يناقش الكاتب بعمق احتمالية فوزها بولاية ثانية في ظل الانتخابات الأوروبية (Europawahl) المقبلة، والعوامل التي قد تؤثر على حظوظها في هذه المنافسة الحاسمة.

يصف بيكر أسلوب فون دير لاين بأنه مزيج فريد من الطموح الكبير والانتهازية المحسوبة والجرأة غير المسبوقة. فهي معروفة بإعلانها عن أهداف طموحة وكبيرة، لكنها في الوقت ذاته تترك التفاصيل الدقيقة والجوانب التنفيذية للآخرين. كما أنها تتميز بقدرتها على التكيف السريع مع تغير الرياح السياسية والتحولات المفاجئة في المشهد الأوروبي. فهي لا تتردد في تعديل مواقفها أو تغيير استراتيجياتها بما يتناسب مع الظروف الجديدة والتحديات الطارئة.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك، سعي فون دير لاين الدؤوب لخلق حقائق على الأرض قبل أن يتمكن معارضوها من اتخاذ أي خطوات مضادة. فهي تؤمن بأن الأفعال أقوى من الأقوال، وأن الإنجازات الملموسة هي خير رد على الانتقادات والاعتراضات. كما أنها لا تتردد في تعديل القواعد واللوائح بما يخدم مصالحها ويدعم رؤيتها للاتحاد الأوروبي. وفي الوقت ذاته، تدرك فون دير لاين جيدًا حدود قوتها وتأثيرها، فلا تقف في وجه من هم أقوى منها أو تتحداهم بشكل مباشر.

وفي إطار سعيها الحثيث لضمان تأييد البرلمان الأوروبي لولاية ثانية، لجأت فون دير لاين إلى استراتيجية جريئة وغير تقليدية، وهي التعويل على دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها حزب “إخوة إيطاليا” (Fratelli d’Italia) بزعامة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني (Giorgia Meloni). فقد دافعت فون دير لاين عن ميلوني ووصفتها بالديمقراطية والمؤيدة لأوروبا، رغم تحذيرات العديد من المنتقدين والمراقبين من نوايا ميلوني وسعيها لتحويل إيطاليا إلى دولة ذات نظام ديمقراطي غير ليبرالي، على غرار ما يحدث في المجر في الوقت الراهن.

ويتطرق المقال أيضًا إلى الطريقة البارعة التي استغلت بها فون دير لاين جائحة كورونا لتعزيز سلطاتها وتوسيع نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي. فقد نجحت في الدفع بإنشاء صندوق ضخم لإعادة الإعمار بقيمة 750 مليار يورو، وأصبحت المفوضية الأوروبية بموجب ذلك تتحكم بشكل شبه كامل في عملية توزيع هذه الأموال على الدول الأعضاء، وفقًا لمدى التزامها بالشروط والمعايير التي تضعها المفوضية. إلا أن فون دير لاين، وفي المقابل، أظهرت نوعًا من التردد وعدم الحسم في التعامل مع بعض الملفات الشائكة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتحقيقات في انتهاكات محتملة للقانون. ويستشهد الكاتب هنا بقضية التفاوض على صفقة كبرى للقاحات مع شركة فايزر (Pfizer) الأمريكية العملاقة عبر رسائل نصية، حيث رفضت فون دير لاين الكشف عن مضمون تلك الرسائل أو حتى الاعتراف بوجودها من الأساس.

أما في مجال سياسات الهجرة، وهو من أكثر الملفات إثارة للجدل في أوروبا اليوم، فيرى الكاتب أن هناك تناقضًا واضحًا وفجوة كبيرة بين تصريحات فون دير لاين المعلنة ومواقفها الفعلية على أرض الواقع. فبينما كانت تؤكد في السابق على عدم نية الاتحاد الأوروبي تمويل بناء الأسلاك الشائكة والجدران العازلة لمنع تدفق المهاجرين، إلا أن ميثاق الهجرة واللجوء الجديد الذي اقترحته المفوضية الأوروبية مؤخرًا ينطوي على تشديد كبير وغير مسبوق في سياسات وإجراءات اللجوء، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع التصريحات الإنسانية السابقة لفون دير لاين في هذا الشأن.

وفي نهاية المقال، يخلص الكاتب إلى أن حظوظ فون دير لاين في الفوز بولاية ثانية على رأس المفوضية الأوروبية تبدو كبيرة إلى حد بعيد، لكنه يحذر في الوقت ذاته من أن أسلوبها في التعامل مع الأحزاب اليمينية المتطرفة ينطوي على مخاطر جمة، وقد بدأ يثير قلق وتحفظ العديد من القوى السياسية الأوروبية، بما في ذلك بعض حلفائها التقليديين، مثل المستشار الألماني أولاف شولتس (Olaf Scholz). كما أن سعي فون دير لاين لاستبعاد الخضر وعدم الاعتماد عليهم في تحالفاتها قد ينعكس سلبًا على قدرتها في حشد الأغلبية المطلوبة داخل البرلمان الأوروبي. وقد يدفعها ذلك إلى مغازلة الكتلة اليمينية الشعبوية الأوروبية المحافظين والإصلاحيين (EKR)، وهو ما قد يفتح الباب أمام مخاطر سياسية جديدة، ويجبرها على تقديم تنازلات مؤلمة ومثيرة للجدل، قد لا تكون مقبولة بالنسبة للكثير من القوى والأحزاب الأخرى في البرلمان الأوروبي، ناهيك عن الرأي العام في العديد من الدول الأعضاء.