مشاهدات 219
زمن القراءة:4 دقائق

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الأوروبية، يتساءل الكثير من الناطقين بالعربية في ألمانيا عن مواقف الأحزاب السياسية الألمانية تجاه القضايا التي تشغلهم، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط والإسلام. في هذه المقالة، سنلقي نظرة على مواقف أبرز الأحزاب الألمانية تجاه هذه القضايا، لمساعدة الناخبين على اتخاذ قرار مستنير عند الإدلاء بأصواتهم.

الأحزاب الألمانية والصراع السوري:

تتبنى الأحزاب الألمانية مواقف متباينة تجاه الصراع في سوريا. فبينما يؤكد الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والحزب الديمقراطي الحر (FDP) على أهمية الحل السياسي والمساعدات الإنسانية، مع التأكيد على عودة اللاجئين في نهاية المطاف، يتبنى الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) وحزب الخضر موقفًا أكثر انفتاحًا تجاه استقبال اللاجئين. أما حزب اليسار فينتقد التدخل الغربي في سوريا ويدعو لحل يشمل جميع الأطراف بما فيها الأسد، بينما يعارض حزب البديل (AfD) اليميني المتطرف استقبال اللاجئين السوريين ويدعو للحياد.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني:

فيما يخص القضية الفلسطينية، تدعم معظم الأحزاب الألمانية حل الدولتين، لكن بدرجات متفاوتة من الضغط على إسرائيل. فبينما تتبنى الأحزاب اليسارية مثل حزب اليسار والخضر موقفًا أكثر انتقادًا لسياسات إسرائيل وتدعم فرض عقوبات عليها، تركز الأحزاب اليمينية الوسطية مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر على الدعوة للحوار وعدم التصعيد، مع الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. أما حزب البديل اليميني المتطرف فلا يتخذ موقفًا واضحًا، لكن بعض أعضائه يعربون عن دعمهم لإسرائيل.

موقفهم من الحرب الإسرائيلية على غزة 2023:

خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، اتخذت الأحزاب السياسية الألمانية مواقف متباينة. أكدت الحكومة الألمانية بقيادة المستشار أولاف شولتس (Olaf Scholz) من الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك (Annalena Baerbock) من حزب الخضر (Die Grünen) على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، لكنها ركزت أيضًا على تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
في المقابل، دعم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU – Christlich Demokratische Union Deutschlands) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU – Christlich-Soziale Union in Bayern) حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأكدا على ضرورة حماية أمن إسرائيل كجزء من السياسة الخارجية الألمانية. كما ركزا على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، لكنهما رفضا الدعوات إلى وقف إطلاق النار، معتبرين أن ذلك سيصب في مصلحة حماس (Hamas).
وبالمثل، دعم الحزب الديمقراطي الحر (FDP – Freie Demokratische Partei) حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأكد على أهمية الحوار والتفاوض لتحقيق السلام، مع ضرورة تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للفلسطينيين.
على النقيض، كان حزب اليسار (Die Linke) أكثر انتقادًا لسياسات إسرائيل العسكرية، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإجراء تحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة في غزة. كما طالب بفرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في هذه السياسات.
أما حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD – Alternative für Deutschland)، فلم يتخذ موقفًا واضحًا كحزب تجاه النزاع، ولكن بعض الأعضاء أعربوا عن دعمهم لإسرائيل بشكل علني، مركّزين على قضايا الأمن والإرهاب لتبرير مواقفهم المتشددة تجاه الهجرة والسياسات المتعلقة بالإسلام في ألمانيا.
بشكل عام، تعكس هذه المواقف توازنًا بين دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والدعوات إلى حماية حقوق الإنسان وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وقد أعرب بعض النشطاء والمنظمات عن انتقادهم للدعم “غير المشروط” لإسرائيل من قبل بعض الأحزاب، داعين لمزيد من الضغط لحماية حقوق الفلسطينيين وضمان احترام القانون الدولي في هذا الصراع المستمر.

الأحزاب الألمانية والأنظمة العربية:

تنتقد الأحزاب الألمانية بشكل عام الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، لكن بدرجات متفاوتة. ففي حين تركز الأحزاب اليسارية مثل حزب اليسار والخضر على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، تميل الأحزاب اليمينية الوسطية مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر إلى إعطاء أولوية للاستقرار والمصالح الاقتصادية والأمنية في العلاقات مع الأنظمة العربية. أما حزب البديل اليميني المتطرف فلا يركز كثيرًا على طبيعة هذه الأنظمة، بل يربط بين الهجرة من الدول العربية والتهديدات الأمنية.

الإسلام والمسلمون في ألمانيا:

تتراوح مواقف الأحزاب الألمانية تجاه الإسلام والمسلمين بين الدعوة للاندماج والتسامح إلى السياسات المتشددة والمعادية للمسلمين. فبينما يؤكد الاتحاد الديمقراطي المسيحي على ضرورة تبني المسلمين للقيم الألمانية، يتبنى الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر موقفًا أكثر انفتاحًا يؤكد على الحقوق الدينية للمسلمين ومحاربة التمييز. أما حزب البديل اليميني المتطرف فيتبنى مواقف معادية للإسلام ويربط بين الدين والتطرف. في المقابل، يركز حزب اليسار على محاربة التمييز ضد المسلمين وتعزيز حقوقهم.

التغييرات الأخيرة في موقف الاتحاد الديمقراطي المسيحي:

في مؤتمره الأخير عام 2024، قام الاتحاد الديمقراطي المسيحي بتعديل موقفه تجاه الإسلام، حيث أكد أن “الإسلام الذي لا يشارك قيمنا ويرفض مجتمعنا الليبرالي لا ينتمي إلى ألمانيا”، في تحول نحو موقف أكثر تحفظًا يركز على الهوية الثقافية الألمانية. هذا التوجه أثار انتقادات من قبل المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، الذي حذر من أنه قد يعزز الخطاب اليميني المتطرف المعادي للمسلمين.

سياسات اللاجئين والاندماج:

تتباين مواقف الأحزاب الألمانية بشأن سياسات اللجوء والاندماج. فبينما تدعو الأحزاب اليسارية مثل حزب اليسار والخضر إلى سياسات أكثر انفتاحًا وتعريف أوسع للاندماج، تركز الأحزاب اليمينية مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر على الحد من الهجرة ووضع شروط أكثر صرامة للاندماج. أما حزب البديل اليميني المتطرف فيعارض بشدة استقبال اللاجئين ويعتبر الهجرة تهديدًا للهوية الألمانية.

دعم القضية الكردية:

تدعم معظم الأحزاب الألمانية الأكراد كحلفاء في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق، لكن بدرجات متفاوتة من التأييد لتطلعاتهم السياسية. فبينما يدعم حزب اليسار بقوة حق الأكراد في تقرير المصير، يركز الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر على استقرار الدول القائمة. أما في تركيا، فتنتقد الأحزاب اليسارية والوسطية سياسات تركيا تجاه الأكراد وتربطها بمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بينما يتبنى اليمين موقفًا أكثر حذرًا لحساسية العلاقة مع أنقرة.

من خلال هذا الاستعراض، يتضح أن للأحزاب الألمانية مواقف متباينة تجاه القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط والإسلام، تتراوح بين الانفتاح والتشدد. وعلى الناخبين الناطقين بالعربية في ألمانيا أن يأخذوا هذه المواقف بعين الاعتبار عند الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الأوروبية القادمة، واختيار الأحزاب التي تتوافق مع قيمهم ومصالحهم. فمن خلال المشاركة السياسية الفاعلة، يمكنهم التأثير في السياسات الألمانية تجاه قضايا وطنهم الأم والمساهمة في بناء مجتمع أكثر تفاهمًا وانسجامًا.