مشاهدات 80
زمن القراءة:2 دقائق

يواجه حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron) “النهضة” (Renaissance) احتمال كارثة في الانتخابات الأوروبية القادمة. وفقاً لاستطلاعات الرأي، يتقدم المرشح الأبرز لحزب التجمع الوطني (Rassemblement National) اليميني المتطرف، جوردان بارديلا (Jordan Bardella)، بنسبة حوالي 32٪، بينما تحصل مرشحة حزب ماكرون، فاليري هاير (Valerie Hayer)، على حوالي 16٪ فقط، أي نصف عدد الأصوات تقريباً. التحول اليميني في فرنسا لم يعد مجرد سيناريو بعيد، بل أصبح حقيقة واقعة. وفي سياق هذا الاكتساح لليمين المتطرف في استطلاعات الرأي أعلن بارديلا (Bardella)، أمام 5500 من أنصاره في باريس، أن “التجمع الوطني أصبح بيت ملايين الوطنيين”، مؤكداً أن الحزب هو “حزب التغيير” في فرنسا..

من جهة اليسار، يتقدم المرشح الاشتراكي رافائيل غلوكسمان (Raphaël Glucksmann) نحو تجاوز حزب ماكرون. فقد أصبح رمزاً للأمل بالنسبة للعديد من الناخبين اليساريين الذين خاب أملهم من ماكرون.

تعود أسباب وصول حزب ماكرون إلى هذا الوضع إلى الرئيس نفسه. فرغم كونه رؤية أوروبية، لم يكن لديه البصيرة لتعيين مرشح قوي في وقت مبكر لمواجهة بارديلا الشاب الذكي. بدلاً من ذلك، رشح ماكرون فاليري هاير، التي كانت غير معروفة وغير واثقة في البلاد، في توقيت متأخر وبعد تردد طويل.

استغل بارديلا جميع الأزمات التي واجهتها الحكومة لتعزيز تقدمه، مثل أسعار الطاقة وعنف الشباب واحتجاجات المزارعين. ووصف قرارات السياسة الزراعية المشتركة الأوروبية (la politique agricole commune européenne) بـ “الإيكولوجيا العقابية” (l’écologie punitive)، زاعماً أنها تتسبب في انهيار المزارع في فرنسا. كما اعتبر الميثاق الأوروبي للهجرة (le Pacte européen sur la migration) هجوماً على روح فرنسا (l’esprit de la France)، واصفاً إياه بـ “الهجرة المفرطة” (l’immigration excessive). ونجح بارديلا الجذاب في كسب جماهير متنوعة تضم الشباب وكبار السن، الرجال والنساء.

كانت استراتيجية حزب النهضة في الرد على نجاح بارديلا هي تكرار نفس الاستراتيجية المستخدمة في الحملات الانتخابية السابقة، بجعل حزب التجمع الوطني العدو الرئيسي، مما أعطاه المزيد من الاهتمام. حتى أن ماكرون أرسل رئيس وزرائه غابرييل أتال (Gabriel Attal) لمواجهة بارديلا في مناظرة تلفزيونية، رغم أنه ليس مرشحاً. ورفع ماكرون الرهان بإعلانه عن استعداده لمواجهة مارين لوبان (Marine Le Pen)، المرشحة الكبيرة لحزب التجمع الوطني، في مناظرة تلفزيونية، كأنها انتخابات رئاسية مبكرة.

يشكو باقي المنافسين من هذا التركيز على مواجهة ثنائية، معتبرين أنه يعارض التعددية. ويشير البعض إلى أن رافائيل غلوكسمان قد يتفوق على فاليري هاير في اللحظات الأخيرة ليحتل المركز الثاني. يقاتل غلوكسمان من أجل مزيد من التضامن وحماية البيئة، رافضاً ميثاق الهجرة باعتباره صارماً جداً. لكنه لا يختلف كثيراً عن حزب النهضة في نقاط أخرى، حيث يريد أيضاً جعل أوروبا أكثر قدرة على الدفاع عن نفسها ويدعو إلى تفضيل العروض الأوروبية في المناقصات وإلغاء حق النقض (le droit de veto) داخل الاتحاد الأوروبي (l’Union européenne).

يتخلى العديد من الناخبين السابقين لماكرون عنه، معربين عن كراهيتهم المتزايدة تجاهه. فقد تصرف بشكل ساخر على المستوى الوطني في القضايا الاجتماعية، مثل إصلاح المعاشات، رغم بذله قصارى جهده على المستوى الأوروبي، خاصة في مواجهته مع ألمانيا.

يبدو أن الانتخابات الأوروبية ستكون فرصة لمحاسبة ماكرون، الرجل الذي جعل تعزيز الاتحاد الأوروبي محور سياسته. وتشير الدلائل إلى أن الناخبين الفرنسيين سيستغلون هذه الفرصة لتوجيه رسالة قوية إلى الرئيس وحزبه، إما بالتصويت لليمين المتطرف أو لليسار، أو بالامتناع عن التصويت تماماً، مما يهدد بإضعاف موقف ماكرون على الساحتين الوطنية والأوروبية.