مشاهدات 88
زمن القراءة:3 دقائق

في حواره الشامل مع مجلة “دير شبيغل”، سلط إروين هوبر (Erwin Huber)، السياسي المخضرم والرئيس السابق لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، الضوء على جملة من التحديات الجسيمة التي تواجه الأحزاب السياسية التقليدية في ألمانيا. فقد أكد هوبر أن هذه الأحزاب تمر بمرحلة فارقة، حيث يتعين عليها إعادة النظر في استراتيجياتها وسياساتها لمواكبة المتغيرات المتسارعة على الساحة السياسية والاجتماعية.

ومن أبرز النقاط التي تطرق إليها هوبر في حواره، ضرورة تعزيز التضامن بين الأحزاب الديمقراطية في مواجهة تنامي الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة. وأشار هوبر إلى أن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) لم يستوعب بعد أهمية هذا التضامن، في حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بدأ يتحرك في هذا الاتجاه منذ سنوات، من خلال تحالفه في بعض الولايات مع حزب الخضر (Grünen).

وحذر هوبر من أن تقسيم المجتمع الألماني وتفكك نظام الأحزاب وصلا إلى مستويات غير مسبوقة منذ 75 عامًا، أي منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية. وقال إن هذا الوضع يذكره بفترة جمهورية فايمار (Weimarer Republik) المضطربة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والتي مهدت الطريق لصعود النازية.

وتطرق هوبر بشكل مفصل إلى الهجمات اللفظية التي يتعرض لها حزب الخضر (Grünen)، معتبرًا أن المبالغة في هذه الهجمات، كمقارنة وزيرة خضراء بمارغوت هونيكر (Margot Honecker) زوجة الزعيم الشيوعي السابق لألمانيا الشرقية، يمثل تجاوزًا خطيرًا للحدود. وأكد أنه عندما تصدر مثل هذه التصريحات عن مسؤولين كبار في الدولة، فلا عجب أن تنتشر وتصبح سلوكًا شائعًا بين عامة الناس.

ولم يتردد هوبر في انتقاد رئيس حزبه، رئيس وزراء بافاريا (Bayern) ماركوس سودر (Markus Söder)، داعيًا إياه إلى الانتقال إلى السياسة الفيدرالية في برلين. ورأى هوبر أن هذه خطوة ضرورية وملحة في ظل التهديدات التي يواجهها حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) بسبب تغيير قانون الانتخابات. وقال إن على سودر، كأفضل شخصية في الحزب، أن يتحمل هذه المسؤولية التاريخية والمقدسة في مثل هذه الظروف الخطيرة.

وأضاف هوبر أن انتقال سودر إلى برلين سيكون مفيدًا أيضًا للتحالف المسيحي بشكل عام، حيث يمكنه لعب دور رئيسي إلى جانب المستشار المحتمل فريدريش ميرتس (Friedrich Merz)، ومن ثم يصبح خليفته في المستقبل. وأكد هوبر أن سودر سياسي موهوب للغاية، لكنه ليس الشخصية المناسبة لمنصب رئيس ألمانيا، كما يتمنى البعض في الاتحاد المسيحي، لأن هذا المنصب يتطلب شخصية قادرة على توحيد المجتمع وجمع الناس، وهو ما لا ينطبق على سودر الذي تكمن قوته في السياسة اليومية النشطة.

وفي سياق آخر، تحدث هوبر بشكل مطول عن التحديات البيئية الملحة التي تواجه ألمانيا والعالم، معترفًا بأن دراسته الفلسفة في السنوات الأخيرة جعلته يرى الآن الحقائق بشكل أوضح. وقال إن حماية المناخ لم تعد مجرد خيار، بل باتت مسألة بقاء، في ظل تهديد العديد من الأنظمة البيئية الحيوية، مما يجعل الحياة الصحية للبشر أكثر صعوبة.

ودعا هوبر إلى تعزيز الابتكار والوعي لمواجهة هذه التحديات البيئية، مؤكدًا أنه لا يمكن تحقيق ذلك عبر المنع والتعليمات فقط، بل يجب على الدولة التدخل من خلال تشجيع السلوكيات الصديقة للبيئة عبر الحوافز الإيجابية. وانتقد هوبر وزير البيئة الألماني الأخضر لتعقيده الأمور بقانون التدفئة الجديد، الذي أثار مخاوف الناس وأعاد البلاد إلى الوراء في جهود حماية المناخ.

كما لفت هوبر إلى ضرورة الاستثمار الكبير في التقنيات الجديدة والحلول المبتكرة لمعالجة التحديات البيئية، مشيرًا إلى الثروة الهائلة التي تمتلكها ألمانيا والتي يمكن توجيه جزء منها لهذا الغرض. وقال إن استثمار تريليون يورو من إجمالي الثروة النقدية البالغة 7.7 تريليون يورو في تقنيات التدفئة الجديدة، على سبيل المثال، لن يمثل تضحية كبيرة، بل سيوفر للأجيال القادمة ظروف حياة أفضل.

وتطرق هوبر أيضًا إلى دور المواطنين في مواجهة التحديات البيئية، مؤكدًا أن الديمقراطية قادرة على حشد الطاقات اللازمة لذلك. وقال إنه يمكن أن يُطلب من المواطنين بذل المزيد من الجهود، وهم قادرون على تقديم الكثير في ظل النظام الديمقراطي. وأعطى مثالًا على ذلك بضرورة التخلي عن السيارة واستخدام الدراجة للتنقل لمسافات قصيرة، معتبرًا أن هذا ليس تضحية كبيرة.

وفي الختام، قدم هوبر رؤية شاملة للتحديات السياسية والبيئية التي تواجه ألمانيا والعالم، داعيًا إلى تغييرات جذرية في عمل الأحزاب التقليدية لمواكبة متطلبات العصر ومواجهة التهديدات الوجودية. وأكد أن هذه التحديات تتطلب تضافر جهود الجميع، من سياسيين ومواطنين، وتغيير العقليات والسلوكيات، والاستثمار في الحلول الابتكارية والتقنيات الجديدة. فهل تستطيع ألمانيا وأحزابها التقليدية التكيف مع هذه التحديات وقيادة التغيير اللازم؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والسنوات القادمة.