يُعد يورغن غيرهارد تودنهوفر (Jürgen Gerhard Todenhöfer)، المولود في 12 نوفمبر 1940 في أوفنبرغ (Offenburg)، من الشخصيات الألمانية البارزة التي أثارت الكثير من الجدل على الساحتين السياسية والإعلامية، نظراً لمواقفه المتناقضة وتنوع أدواره على مدار مسيرته المهنية الطويلة. فمنذ انطلاقته كعضو في الحزب الديمقراطي المسيحي (Christlich Demokratische Union Deutschlands) وحتى تأسيسه لحزبه الخاص “فريق تودنهوفر – حزب العدالة” (Team Todenhöfer – Die Gerechtigkeitspartei)، مروراً بعمله الصحفي وتأليفه للكتب، ظل تودنهوفر محط أنظار وتساؤلات بسبب مواقفه المثيرة للجدل.
بدأ تودنهوفر حياته السياسية كنائب في البرلمان الألماني (Deutscher Bundestag)، حيث برز كأحد أبرز الداعمين للمجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفيتي. وبحكم عضويته في مجلس إدارة مجموعة بوردا الإعلامية (Hubert Burda Media)، تمتع بنفوذ كبير في الأوساط الإعلامية. لكن ما يميز تودنهوفر حقاً هو جرأته الصحفية في تغطية النزاعات الساخنة، حيث كان من القلائل الذين تمكنوا من دخول مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، والتقى بمقاتلي التنظيم ووثق تجربته في كتاب وفيلم وثائقي، الأمر الذي عزز سمعته الصحفية ولكنه أثار تساؤلات حول دوافعه وعلاقاته في نفس الوقت.
غير أن المفارقة الكبرى في مسيرة تودنهوفر تكمن في تحوله الظاهري من مواقفه المتشددة في شبابه، حيث كان عضواً في “فصيل الخوذة الفولاذية” (Stahlhelm-Fraktion) داخل حزبه، ودعا لإجراءات قمعية ضد جماعة الجيش الأحمر (Rote Armee Fraktion)، ووصف صديقه هانز مارتن شلاير (Hanns Martin Schleyer)، الذي قتلته الجماعة وكان ضابطاً سابقاً في قوات الأمن الخاصة النازية المعروفة باسم “إس إس” (Schutzstaffel)، بأنه “رجل معتدل للغاية”. فضلاً عن ذلك، أيّد تودنهوفر أنظمة الفصل العنصري والديكتاتوريات العسكرية في تشيلي وناميبيا وجنوب إفريقيا. هذه المواقف تتنافى بشكل صارخ مع مواقفه الحالية المنادية بحقوق الإنسان والعدالة.
وتزداد التناقضات وضوحاً في علاقات تودنهوفر الدولية، ولا سيما دعمه الصريح للنظام السوري، وانتقاده اللاذع للتغطية الإعلامية الغربية للصراع هناك. فقد أجرى لقاءً مع الرئيس بشار الأسد في بدايات الثورة السورية سنة 2012 وحاول الترويج من خلالها للنظام السوري. وفي عام 2015، كشفت مجلة “دير شبيغل” (Der Spiegel) عن رسائل بريد إلكتروني تبادلها تودنهوفر مع شهرزاد الجعفري، ابنة سفير النظام السوري لدى الأمم المتحدة، حيث أشاد فيها بالأسد ووصفه بالقائد الوحيد القادر على منح سوريا مستقبلاً مستقراً دون إملاءات خارجية، مما يعكس دعمًا صريحًا للنظام السوري المستبد.
علاوة على ذلك، أثارت المقابلة التي أجراها تودنهوفر في عام 2016 مع قائد جبهة النصرة المزعوم أبو العز جدلاً واسعاً، حيث يبدو أنها جرت بتدبير من مخابرات النظام السوري لتعزيز روايته، ولكن بأسلوب فج ومكشوف. صرّح أبو العز خلال المقابلة أنه تم تزويد جبهة النصرة بصواريخ مضادة للدبابات حديثة من قبل الولايات المتحدة، وأن ضباطاً من السعودية وقطر وحتى إسرائيل كانوا حاضرين أثناء فترة حصارهم. كما عارض تقديم المساعدات للمدنيين المحاصرين في شرق حلب، وهو موقف مستغرب، لا سيما وأن جبهة النصرة شاركت في كسر الحصار مؤقتاً، الأمر الذي أكسبها شعبية حتى بين خصومها الأيديولوجيين.
هذه المقابلة المثيرة للشكوك، والتي استشهد بها لاحقاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (Sergey Lavrov)، تطرح تساؤلات جدية حول دوافع تودنهوفر وطبيعة علاقته بالنظام السوري. كما أنها تزيد الشبهات وتثير الجدل حول مصداقية تودنهوفر وحياديته كصحفي.
وفي سياق مواقفه تجاه القضايا الدولية، يبرز دعم تودنهوفر للقضية الفلسطينية بشكل لافت. فقد وصف الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ أكتوبر 2023 بأنها غير متناسبة على الإطلاق وتنتهك القانون الدولي بوضوح. وشدد على حق الفلسطينيين في العيش بسلام وتأسيس دولتهم، منتقداً الحصار المفروض على غزة والذي أدى إلى أزمة إنسانية خطيرة. ويؤكد تودنهوفر على المسؤولية التاريخية لألمانيا ليس فقط تجاه إسرائيل وإنما أيضاً تجاه فلسطين، موضحاً أن الفلسطينيين يدفعون ثمن الجرائم النازية بحق اليهود. كما لفت الانتباه إلى القيود المفروضة على حرية التعبير والتظاهر في ألمانيا، واصفاً موقف الحكومة الألمانية بأنه منحاز ومخزٍ في ظل الهجمات على غزة. ويدعو تودنهوفر ألمانيا لتبني دور الوسيط من أجل إحلال السلام والعدل في المنطقة، مؤكداً أنه رغم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أن ذلك لا يبرر استهداف المدنيين في غزة.
في الختام، تعكس شخصية يورغن تودنهوفر تعقيدات وتناقضات بين النزعات الشخصية والطموحات السياسية والإعلامية. ففي الوقت الذي يتبنى فيه مواقف تظهره كمدافع عن القضايا الإنسانية والعادلة، نجده في أحيان أخرى يبرر دعمه الصريح للأنظمة الاستبدادية والقمعية. هذا التناقض الجلي يجعل من تودنهوفر شخصية فريدة ومثيرة للجدل في آن معاً، إذ تجسد هذه الشخصية حالة التشابك وتداخل المصالح والأيديولوجيات في عالم السياسة والإعلام الذي يتسم بالتعقيد الشديد والتغير المستمر.
إن التقلبات الفكرية والتحولات في مواقف تودنهوفر، تطرح تساؤلات جوهرية حول المبادئ والقيم التي يتبناها فعلاً. فهل هو مدافع حقيقي عن حقوق الإنسان والحريات، أم أن اهتماماته الإنسانية مجرد واجهة يختبئ خلفها لتحقيق مآرب شخصية وأجندات خفية؟ هذا السؤال يبقى مطروحاً في ظل استمرار تناقضاته وتقلباته، الأمر الذي يجعل من الصعب تكوين صورة واضحة وجلية عن حقيقة توجهاته ومبادئه.
المصادر:
- Todenhöfer: Palästina zahlt den Preis für die Verbrechen der Nazis
- Die kleinen Populisten
- Team Todenhöfer: Die Ego-Partei
- Team Todenhöfer – Die Gerechtigkeitspartei
- Mummenschanz für Assad
- Brisante neue Vorwürfe gegen Todenhöfer
- Interview with Jürgen Todenhöfer – The first Western journalist to visit ISIS
- Todenhöfer über Syrien: “Die Rebellen sind nicht besser als Assad”
- صحفي ألماني “يتغزل” بشهرزاد الجعفري لمقابلة الأسد
- تودنهوفر وروبرت فيسك ولعبة الاستخفاف بالعقول