مشاهدات 127
زمن القراءة:5 دقائق

يُعد بحث “في فقه المواطنة: المشاركة السياسية والمجتمعية” للشيخ “أبو عبيدة علي1” من الأعمال القليلة التي تتناول قضية مشاركة المسلمين في الحياة السياسية والمجتمعية في الغرب بانفتاح. يسلط الشيخ الضوء في بحثه على أهمية هذه المشاركة وضرورتها، مقدماً تأصيلاً فقهياً متيناً يستند إلى الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الفقهاء.

أسباب انعزال المسلمين في الغرب

يستعرض البحث الأسباب المتعددة التي أدت إلى عزوف المسلمين في الغرب عن المشاركة السياسية والمجتمعية. يُعد الشعور بالغربة والحنين للعودة إلى الأوطان الأصلية السبب الرئيسي، الأمر الذي انعكس سلباً على سلوك المسلمين وتفاعلهم مع المجتمعات الغربية. وقد امتد هذا الشعور عبر الأجيال، مما أدى إلى عزوف الشباب المسلم عن الانخراط في العمل السياسي والمدني. وتشمل الأسباب الأخرى:

  • حصر العمل السياسي في قالب واحد: اعتقاد الكثير من المسلمين أن المشاركة السياسية تقتصر على التصويت في الانتخابات فقط، مما حال دون إدراكهم لتنوع الأنشطة السياسية.
  • الاعتقاد بأن بلاد الغرب ليست موطناً للمسلمين: هذا التصور يُعزز مشاعر الاغتراب ويُقلل من الرغبة في الاندماج في المجتمع.
  • فقدان الثقة بجدوى العمل السياسي: نتيجة لتجارب سلبية في العالمين العربي والإسلامي، أصبح كثيرٌ من المسلمين يشككون في فعالية المشاركة السياسية.
  • الخشية من ردود فعل المجتمعات الأوروبية: هناك تخوف من احتمالية حدوث ردود فعل سلبية من المجتمعات المضيفة تجاه المشاركة السياسية للمسلمين.
  • العقبة العلمية: آراء بعض الفقهاء بتحريم المشاركة السياسية تمثل عائقاً إضافياً.

أهمية المشاركة السياسية

يؤكد البحث على أن المشاركة السياسية تُعد ركناً أساسياً من أركان مواطنة المسلمين في الغرب. ولا تقتصر هذه المشاركة على مجرد الإدلاء بصوت انتخابي، بل تتعداه إلى الإسهام الفعال في صياغة القرار السياسي وتشكيل الرأي العام. ويمكن للعمل السياسي أن يتخذ أشكالاً متعددة، منها:

  • العمل الفكري والثقافي والتوجيهي: الذي يهدف إلى تكوين الرأي العام حول قضايا محددة قبل اتخاذ القرارات بشأنها.
  • العمل السياسي الحزبي والنيابي: المشاركة في النقاشات واتخاذ القرارات على مستوى البرلمانات والمجالس المحلية.
  • التصويت الانتخابي: لاختيار ممثلي الشعب في المجالس التشريعية والتمثيلية.

وهذا التنوع في أشكال العمل السياسي من شأنه تعزيز قدرة المسلمين على التأثير في المجتمع ورسم السياسات التي تخدم مصالحهم واحتياجاتهم.

التأصيل الشرعي للمشاركة السياسية

يستند البحث في تأصيله الشرعي لمشاركة المسلمين في العمل السياسي إلى أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الفقهاء. ومن الأدلة القرآنية التي يسوقها المقال:

  • آيات الشهادة: كقوله تعالى: “ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” (البقرة: 283)، وهي تُعتبر دليلاً على وجوب أداء الشهادة واختيار الأصلح للإصلاح.
  • قصة سيدنا يوسف عليه السلام: حيث تولى خزائن الأرض في مصر، وهو ما يدل على جواز تولي المسلمين مناصب سياسية في مجتمعات غير مسلمة لإقامة العدل والإصلاح بقدر المستطاع.

ومن السنة النبوية:

  • حديث البراء بن عازب: الذي يحث على نصرة المظلوم كواجب شرعي.
  • حلف الفضول: الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة من أجل نصرة المظلومين.
    ومن أقوال الفقهاء المعاصرين:

الفتاوى الشرعية والمجامع الفقهية

يستعرض البحث مجموعة من الفتاوى والآراء لعلماء معاصرين تجيز وتؤكد على وجوب مشاركة المسلمين في العمل السياسي. ومن هؤلاء العلماء:

  • شيخ الإسلام ابن تيمية: الذي يجيز تولي المناصب التنفيذية والتشريعية إذا كان ذلك يُحقق مصلحة راجحة ويدفع ضرراً أكبر.
  • الشيخ عبد الله بن بيه: الذي يرى في المشاركة السياسية ضرورة تقتضيها ظروف المسلمين في الغرب.
  • الدكتور صلاح سلطان: الذي يؤكد على وجوب المشاركة السياسية وفق ضوابط شرعية.
  • وقد أورد الشيخ في بحثه آراء مجموعة من الفقهاء منهم: الشيخ ابن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ عبد المحسن العباد والشيخ سلمان العودة والشيخ سعيد حوى وفضيلة الشيخ فيصل مولوي والشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ وصي الله عباس

كما يشير المقال إلى قرارات المجامع الفقهية الموجودة في الغرب، مثل مؤتمر علماء الشريعة في أمريكا الشمالية والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التي تجيز المشاركة السياسية وتشدد على ضرورتها للمسلمين في الغرب.

أهمية المشاركة السياسية وضرورتها للمسلمين بالغرب

يؤكد البحث على ضرورة المشاركة السياسية للأقليات المسلمة في الغرب، حيث يرى أنه على الرغم من أهمية المشاركة الشعبية للمسلمين في الغرب، إلا أنها غير كافية وحدها. فعلى المسلمين الانتقال إلى مرحلة يكون لهم فيها دور فعّال في صيانة المجتمع والحفاظ عليه، وأن يكون لهم دور مؤثر في قضاياهم وهمومهم.

وقد انشغلت الأقليات المسلمة في العقود الماضية بقضايا التربية والدعوة والفقه والأخلاق، ولم تعمل بما يكفي على تمكين المسلمين من المشاركة السياسية الفعالة في مجتمعاتهم الغربية. لذا يجب الانتقال إلى هذه المرحلة بحكمة ووعي وعلم، وتحتاج وعياً واقتناعاً من الأقليات المسلمة بأهمية دورها وقدرتها على التأثير على القرار السياسي الغربي.

ومن أهداف المشاركة السياسية للمسلمين: إثبات وجودهم كجماعة فاعلة في المجتمع، وتأمين حقوقهم فيه، وتمكينهم من ممارسة حياتهم الإسلامية بحرية يكفلها القانون وتحترمها مختلف الجماعات في المجتمعات الغربية.

آثار العزلة السياسية

يحلل البحث الآثار السلبية المترتبة على انعزال المسلمين عن المشاركة السياسية في المجتمعات الغربية. ويوضح أن العزلة تؤدي إلى:

  • التهميش وضياع الحقوق: فبغياب تأثير المسلمين في صناعة القرار، يتم تهميشهم وانتهاك حقوقهم.
  • الانغلاق الاجتماعي: ما يُرسخ القيم السلبية ويزيد من حجم الفجوة بين المسلمين والمجتمعات المضيفة.
  • الاستنكار السلبي: بدلاً من المشاركة الفاعلة في صياغة القرارات، يكتفي المسلمون بالاستنكار والتنديد.
  • التقصير في احتضان قضايا المجتمع: يؤكد المقال على أهمية الانخراط في العمل السياسي من أجل تبني هموم المجتمع والسعي لحلها من داخل النظام السياسي.

المخاوف الشرعية من المشاركة السياسية

يتناول البحث المخاوف الشرعية التي قد تعترض مشاركة المسلمين في العمل السياسي، مثل:

  • الخوف من الوقوع في المحظورات الشرعية: عند التصويت أو اتخاذ مواقف سياسية.
  • الخشية من تغير القيم والقناعات: نتيجة للانخراط في العمل السياسي.

ويوضح الكاتب أن التعامل مع هذه المخاوف ينبغي أن ينطلق من منظور قاعدة “ارتكاب أخف الضررين” أو “اختيار أهون الشرين”، وهي قاعدة فقهية تقتضي اختيار الأقل ضرراً حين يتعذر تفادي الضرر بالكلية. ويستشهد المقال بإقرار العلماء، كابن تيمية، لجواز المشاركة السياسية وفقاً لهذه القاعدة، سعياً لتحقيق المصلحة العامة وتقليل الضرر.

الأهداف الاستراتيجية للعمل السياسي

يُختتم البحث بتحديد الأهداف الكبرى التي ينبغي للمسلمين السعي لتحقيقها من خلال مشاركتهم السياسية في الغرب، وهي:

  • الإسهام في صنع القرار: لما فيه صالح المجتمع بأسره.
  • إيصال صوت الأقلية المسلمة: إلى دوائر صنع التشريعات ورسم السياسات.
  • الحفاظ على تماسك المجتمع واستقراره: من خلال المشاركة الإيجابية الفعالة.
  • الدفاع عن قيم العدل والمساواة وحرية الرأي: كجزء أصيل من حقوق المواطنة.
  • تحقيق الأمن المجتمعي والمحافظة على البيئة: عبر سن التشريعات المناسبة.

ويشدد المقال على أن هذه الأهداف لا تنطوي على أي سعي للهيمنة على المجتمع أو تغيير دساتيره بالقوة، بل تركز على العمل من داخل النظام لتحقيق المصلحة العامة للمسلمين والمجتمع ككل.

الخلاصة

يطرح بحث “في فقه المواطنة: المشاركة السياسية والمجتمعية” للشيخ أبي عبيدة علي تأصيلاً فقهياً شاملاً لمشاركة المسلمين في العمل السياسي بالغرب، مستعرضاً جملة من الاعتبارات التاريخية والشرعية والاجتماعية الداعية إلى هذه المشاركة. ويؤكد المقال على أهمية انخراط المسلمين في العمل السياسي كجزء لا يتجزأ من مواطنتهم وحقهم في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم المشروعة. كما يتصدى الكاتب للمخاوف الشرعية ويطرح استراتيجيات وأهدافاً بيِّنة للعمل السياسي بما يحقق التوازن المنشود بين الالتزام بقيم الدين الحنيف والمشاركة الإيجابية الفاعلة في المجتمع. ويشدد المقال على أن المشاركة السياسية ليست فقط حقاً بل واجباً شرعياً لتحقيق مصالح المسلمين وصون حقوقهم في المجتمعات الغربية، داعياً إلى تبني العمل السياسي كوسيلة لإقرار العدالة والمساواة والاستقرار للمسلمين والمجتمع بأسره.

للإطلاع على بحث (المشاركة السياسية والمجتمعية: تأصيل فقهي ورد شبهات) كاملاً:

  1. الشيخ أبو عبيدة علي: إمام وخطيب المركز الإسلامي في آخن – ألمانيا ↩︎